الحب: الكلمة التي صنعتنا… وجعلتنا بشرًا”
هل يمكن لحرفين فقط أن يحركا هذا الكون؟ هل يمكن لكلمة واحدة أن تكون سبب الحياة، ومصدر الألم، ومنبع الفرح، وأساس الحرب والسلام؟ إنها ليست مبالغة. نحن نتحدث عن الحب، تلك الكلمة التي كانت ولا تزال محورًا لكل شيء في الوجود الإنساني.
منذ آلاف السنين، لم يكن الفلاسفة في أثينا القديمة يكتبون عن الحب كحالة عابرة أو نزوة قلب، بل كانوا يرونه مفتاحًا لفهم الذات، ومصدرًا لمعرفة الكون. حتى في زمن التجريب والعقل، ظل الحب يرفض أن يُوضع في قالب علمي جامد.
الحب في الفلسفة: بين الجسد والروح..
يرى بعض الفلاسفة، خاصة من المدرسة المادية، أن الحب لا يتجاوز كونه تعبيرًا بيولوجيًا، مدفوعًا بغريزة البقاء ورغبة التكاثر. هذه النظرة تُرجع كل مشاعرنا إلى تفاعلات كيميائية في الدماغ. لكن، هل يُعقل أن كل تلك القصائد والدموع والليالي التي لا تنام تُختزل في “هرمونات”؟
الفيلسوف أفلاطون رفض هذا التبسيط، وقال إن الحب هو “اشتياق الروح إلى الجمال الخالد”، ووضع تصنيفات للحب: من أدنى أشكاله الجسدية إلى أرقاها، وهو الحب العقلي أو الروحي الذي يسمو بالإنسان. أما أرسطو، فذهب إلى توصيف الحب على أنه “جسدين يتشاركان روحًا واحدة”، معبرًا بذلك عن وحدة عاطفية وفكرية تتجاوز حدود الجسد.
بعيدًا عن الفلسفة، فإننا كبشر نختبر الحب كل يوم. نولد على يد أمٍ تحبنا بلا شروط، وننشأ في حضن أبٍ يحمينا بدافع الحب، ونكون صداقات تبنى على المحبة، وقد نقع في حب إنسان يهزّ كياننا من أساسه. كل هذه التجارب تؤكد شيئًا بسيطًا: الحب هو ما يُبقينا بشرًا.
فبدون الحب، يصبح الإنسان آلة. ويمكن لأي باحث في علم النفس أن يخبرك أن الحب – بمختلف أشكاله – هو الحاضنة الأولى للصحة النفسية، وهو مصدر الشعور بالأمان والانتماء والتعاطف. وقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يعيشون علاقات محبة وصادقة يتمتعون بعمر أطول، ومناعة أقوى، وقدرة أفضل على تجاوز الأزمات.
ما هو الحب إذًا؟
الحب ليس تعريفًا واحدًا. هو مزيج من العاطفة، والانجذاب، والاحترام، والرغبة في العطاء. هو حالة من الشعور الإيجابي العميق تجاه الآخر، سواء كان هذا الآخر صديقًا، شريكًا، أمًا، أو حتى فكرة نؤمن بها.
يمكن أن يكون الحب رومانسيًا، أو أفلاطونيًا، أو أخويًا، أو إنسانيًا. لكن جوهره واحد: إنه قوة تدفعنا للخروج من ذاتنا لنحتضن الآخر، لنشعر به، لنرى في وجوده امتدادًا لوجودنا.
الحب هو الحياة...
يظن البعض أن بإمكانه أن يعيش بلا حب، لكنه يخدع نفسه. الحب لا يعني فقط العلاقات العاطفية، بل هو ذلك الشعور بالانتماء، بالتقدير، بالاحتياج. لا يمكن لطفل أن ينمو بلا حب. لا يمكن لشيخ أن يشعر بقيمته دون حب أحفاده. ولا يمكن لإنسان عاقل أن يتحمل قسوة الحياة دون حضن دافئ أو كلمة طيبة.
الحب هو المحرك الخفي لكل شيء عظيم. في الفن، في العلم، في الشعر، في الحروب، وحتى في الثورة. كثير من القضايا العظيمة بدأت من قلب أحب.
خلاصة القول:
الحب ليس كلمةً تُقال… بل كيان يعيش فينا، لا نراه، لكننا نعيش آثاره. هو ما يجعلنا نحلم، ونتألم، ونسامح، ونستمر. وربما في زمنٍ تزداد فيه القسوة والانعزال، نحتاج أن نُعيد تعريف الحب… لا كمشاعر، بل كخيار. خيار أن نكون بشرًا.