من رحم المنفى إلى أروقة الضوء: كيف رسخت جامعة القدس المفتوحة حضورها الوطني والأكاديمي رغم التحديات
من قلب النكبات ومعاول الاحتلال، خرجت شرارة الأمل لتبني صرحاً تعليمياً وطنياً يضيء الطريق للأجيال. فمنذ انطلاقتها عام 1991 كإحدى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، حرصت جامعة القدس المفتوحة على انتزاع الحق في التعليم رغم واقع الاحتلال، لترسخ حضورها الأكاديمي والوطني كجامعة وطنيّة مفتوحة أمام الجميع، وخاصة الفئات المهمشة والأسرى.
رسالة راسخة رغم التحديات
إيماناً برؤيتها الوطنية والمجتمعية، تواصل الجامعة إطلاق المبادرات الأكاديمية والثقافية والتنموية، لتوفير فرص تعليمية وتنموية تلائم احتياجات المجتمع الفلسطيني، وتعزز قدرة الشباب على الالتحاق بسوق العمل المتغير، مع إيلاء اهتمام خاص بالفئات الأكثر تضرراً من ممارسات الاحتلال.
إنجازات أكاديمية وبرامج نوعية
في احتفال تكريمي لطلبة كلية الإعلام الرقمي الفائزين في مسابقة بورصة فلسطين للتقارير الاقتصادية، أشاد رئيس الجامعة الدكتور إبراهيم الشاعر بجهود الطلبة والأكاديميين، مؤكداً أن التفوق ثمرة منهج تعليمي متطور ومهارات مهنية متقدمة.
وفي سياق تطوير الإعلام الفلسطيني، كانت الجامعة السباقة عام 2014 في افتتاح كلية الإعلام الجديد، أول كلية تقدم بكالوريوس الإعلام الرقمي في فلسطين، ثم أطلقت برنامج الماجستير في إدارة المؤسسات الإعلامية، وهو برنامج فريد يواكب التحول الرقمي في المؤسسات الإعلامية.
المشرف على الكلية د. يوسف الشيخ يؤكد أن الجامعة تتبع استراتيجية إعلامية نشطة عبر منصاتها الرقمية، حيث يتابعها أكثر من مليون متابع، وتعمل على تعزيز الإنتاج الإعلامي الطلابي من خلال الشراكات مع مؤسسات إعلامية مثل "مارينا بوست" وموقع "المحرر" الصحفي.
الأسرى… حين يولد الأمل خلف القضبان
سجلت الجامعة تجربة مضيئة في دعم الأسرى الفلسطينيين، حين أطلقت برنامج تعليم الأسرى عام 2013، الذي أتاح لهم فرصة الحصول على درجة البكالوريوس من داخل الزنازين وفق نظام أكاديمي منضبط يعتمد على التخطيط والمتابعة الواسعة.
الأستاذ جميل خليل عوض، الذي أمضى 17 عاماً في السجون، يروي تجربته قائلاً:
"أدخل البرنامج الأمل إلى قلوب الأسرى، وجعل من سنوات الاعتقال فرصة لاكتساب العلم وتنظيم الوقت واكتشاف الذات."
ويشير إلى دوره في اللجان العلمية المشرفة على البرنامج في سجني "ريمون" و"النقب"، حيث أشرف على عشرات الأسرى ممن التحقوا بالبرنامج، معتبراً التجربة نقلة نوعية في حياته وتعزيزاً لقدراته العلمية والعملية.
مبادرات طلابية ومجتمعية واسعة
تواصل الجامعة دعم مبادرات تهدف إلى تنمية المجتمع، ومن أبرزها:
- حملات تطوعية في القرى والمخيمات، وزراعة الأشجار، ومحو الأمية.
- منصة "كنعان" التعليمية الهادفة إلى تدريب الطلبة وإكسابهم خبرات في التسويق الرقمي وإنتاج المحتوى.
- مشروع "جسور نحو التوظيف" بالشراكة مع وزارة العمل والقطاع الخاص، والذي أتاح فرص عمل لعشرات الخريجين.
- مبادرات تمكين النساء وربات الأسر اللواتي حرمن سابقاً من التعليم.
- مسابقات محلية ودولية حقق فيها الطلبة مراكز متقدمة.
- تدريب كبار السن على المهارات الرقمية عبر التلفزيون ومنصة كنعان.
- ندوات ثقافية وفنية ورياضية في مختلف الفروع.
- برامج ريادة شبابية ودورات تأسيس المشاريع الريادية.
- دورات في التداول المالي (الفوركس) لتعزيز معرفة الطلبة بأسواق المال.
- صندوق دعم مالي للطلبة ذوي الظروف الاقتصادية الصعبة.
- تسجيل المحاضرات عبر "تيمز" لتجاوز الحواجز العسكرية التي تعيق وصول الطلبة
التحديات
تواجه الجامعة تحديات مستمرة بفعل الاحتلال، أبرزها:
- القيود على التنقل بين الفروع.
- ضعف التمويل اللازم لتطوير البنية الرقمية واستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة.
- رغم كل الظروف، تظل جامعة القدس المفتوحة نموذجاً وطنياً للتعليم المقاوم، ورسالة مضيئة تؤكد أن التعليم هو بوابة التحرر، وأن الأمل قادر على أن يُولد دائماً من خاصرة الوجع.