ضغوط خفية وآمال معلقة: الأزمة النفسية الصامتة تهدد جيل الشباب في فلسطين
في ظل الواقع السياسي والإقتصادي المعقد في فلسطين، تحذر تقارير ميدانية ودراسات نفسية من تصاعد ظاهرة الضغوط النفسية بين أوساط الشباب الفلسطيني، والتي تتخذ أبعاداً غير مرئية تتجاوز آثار الاحتلال المباشرة، لتشكل أزمة صامتة تهدد تماسك النسيج الاجتماعي ومستقبل جيل بأكمله، فمع استمرار معطّلات الحياة الأساسية، ينمو شعور عميق باليأس والقلق الوجودي، مدفوعاً بعوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية متشابكة.
الاحتلال كخلفية دائمة: الضغط النفسي المزمن
لا يمكن فهم الضغوط النفسية لدى الشباب الفلسطيني بمعزل عن واقع الاحتلال، فالإجراءات اليومية، من حواجز عسكرية وتقييد للحركة ومداهمات ليلية، تشكل "صدمة مستمرة" ترسخت في اللاوعي الجماعي، يقول مدير أحد مراكز الصحة النفسية في قطاع غزة: "نحن لا نتحدث عن صدمة عابرة، بل عن إجهاد نفسي مزمن، فالشباب الفلسطيني يكبر وهو يشعر بأن المستقبل مجهول ومسيطر عليه من قوى خارجية، وهذا الشعور بانعدام السيطرة هو أحد أقوى مولدات القلق والاكتئاب".
الشلل الاقتصادي: من البطالة إلى فقدان الأمل
تؤكد الأرقام الرسمية أن معدلات البطالة بين الشباب في فلسطين من بين الأعلى في العالم، لكن الأثر النفسي يتجاوز مجرد الأرقام؛ إنه شعور بالعجز وتوقف الحياة، فتأخر الزواج، وصعوبة توفير مسكن، والاعتماد على المساعدات الأسرية، يحوّل الطموح إلى إحباط.
توضح باحثة اقتصادية في إحدى الجامعات الفلسطينية: "البطالة هنا ليست مجرد حالة وظيفية، بل هي أزمة هوية، الشاب الذي ينفق سنوات في التعليم ليصطدم بباب مغلق، يشعر بأن مجتمعه قد فشل في توفير فرصة أساسية له، وهذا يولد لديه شعوراً بالمرارة والانفصال عن محيطه".
الانقسام السياسي: شرخ في الأمل الوطني
إلى جانب الضغوط الخارجية، يمثل الانقسام السياسي الفلسطيني دوراً محورياً في تآكل المعنويات، فالشلل في المؤسسات الوطنية والصراع على السلطة يخلق حالة من اليأس من إمكانية تحقيق تطلعات المشروع الوطني.
ويشير محلل سياسي متخصص في الشؤون الفلسطينية إلى أن "الشباب الفلسطيني اليوم يشعر بأنه ضحية لصراع داخلي لا نهاية له، هذا الشرخ السياسي يقتل الأمل في تغيير حقيقي، ويحول الطاقة الوطنية إلى صراعات جانبية، مما يترك فراغاً كبيراً من الإحباط لدى جيل كان ينبغي أن يكون قاطرة التغيير".
السجن الرقمي المفتوح: مقارنة مؤلمة
في حين يوفر العالم الرقمي نافذة على الخارج، إلا أنه بالنسبة للشباب الفلسطيني أصبح مصدراً إضافياً للألم، فمشاهدة أقرانهم في دول أخرى وهم يسافرون، يدرسون بحرية، ويبنون مستقبلهم، تخلق "صدمة مقارنة" قاسية.
تقول ناشطة في مجال الشباب: "منصات التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد ترفيه، بل أصبحت مرآة تعكس ما حُرموا منه، فالشاب الفلسطيني في الضفة الغربية أو قطاع غزة يرى عبر شاشته حياة لا يستطيع أن يعيشها، وهذا التفاوت الصارخ يزيد من شعوره بالظلم والاختناق".
دعوة لمعالجة الأزمة قبل فوات الأوان
إن الأزمة النفسية التي يمر بها الشباب الفلسطيني هي نتاج معادلة معقدة من القهر الخارجي والاستنزاف الداخلي، وتحذر الأصوات المختصة من أن تجاهل هذه الضغوط الخفية سيكون له تكلفة باهظة على المدى البعيد، ليس فقط على الصحة العامة، بل على القدرة على مواصلة النضال الوطني والحفاظ على الهوية.
ويؤكد الخبراء أن مواجهة هذه الأزمة تتطلب استراتيجية وطنية شاملة، لا تقتصر على تقديم الدعم النفسي الفردي، بل تعالج الأسباب الجذرية، مثل: إنهاء الحصار، توفير فرص اقتصادية حقيقية، وإنهاء الانقسام لاستعادة الأمل في مستقبل مشترك، كما أن صحة الشباب النفسية هي رأس المال الحقيقي لفلسطين، والحفاظ على هذا الجيل لا يقل أهمية عن الحفاظ على الأرض نفسها.