أسبوع حاسم ينتظر صناع السياسة النقدية
تركز الأسواق المالية اهتمامها هذا الأسبوع على قرارات عدة بنوك مركزية كبرى، بالتزامن مع تداخل السياسات النقدية مع التحديات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية الناتجة عن السياسات التجارية التي تبنتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد التحديات أمام المؤسسات النقدية حول كيفية مواجهة حالة عدم اليقين العالمية التي تتسم بتحولات مفاجئة ومتسارعة. تأثير الرسوم الجمركية، تقلبات أسعار النفط، والبيانات الاقتصادية المحلية التي تقدم إشارات متباينة، كلها عوامل تسلط الضوء على اجتماعات البنوك المركزية وتجعل من تبني منهجية "الانتظار والترقب" مسارًا أكثر حذرًا مقارنة باتخاذ قرارات قد تكون محفوفة بالمخاطر.
تترقب الأسواق بإحساس عالٍ من الحذر أي إشارات تصدر عن هذه الاجتماعات، خاصة المتعلقة بمستقبل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وإلى جانب التوجهات المرتقبة، تحظى لغة الخطابات الرسمية والتوقعات الصادرة عن أعضاء اللجان الاقتصادية باهتمام شديد.
بحسب تقرير نشرته بلومبيرغ:
من المتوقع أن تحافظ معظم البنوك المركزية على استقرار أسعار الفائدة هذا الأسبوع، مع استمرارها في مراقبة تداعيات الاضطرابات التجارية التي سببتها سياسات ترامب. من واشنطن إلى لندن، يبدو أن مسؤولي السياسات النقدية في اقتصادات تمثل خمس الناتج العالمي يتصرفون بحذر ملحوظ، بينما يقومون بتقييم تداعيات التضخم والنمو الناتجة عن الرسوم الجمركية وقيود التجارة الدولية. إلى جانب ذلك، تُرجِّح التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط من تعقيد الموقف.
في سياق أوسع، كانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد خفضت في أوائل يونيو نظرتها المستقبلية للاقتصاد العالمي، محذرة من تأثير السياسات الاقتصادية الحمائية التي فاقمت ضغوط التضخم لدى المستهلكين.
بينما تنتظر الأسواق قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء بالتزامن مع مرور 150 يومًا على رئاسة ترامب، يشير محللون إلى أن البنك لا يزال بحاجة إلى أشهر أخرى قبل اتخاذ موقف نهائي بشأن تأثير سياسات البيت الأبيض على الاقتصاد. بالتزامن، تستعد البنوك المركزية المسؤولة عن أكبر ست عملات تداولاً عالميًا لاتخاذ قراراتها.
ومن المتوقع أن تقوم البنوك المركزية في السويد وسويسرا بإدخال تعديلات طفيفة على أسعار الفائدة، تشمل تخفيضًا محدودًا. بينما قد تُبقي دول مثل البرازيل وتشيلي وإندونيسيا وتركيا الأمور كما هي نظرًا لاعتبارات محلية ودولية تُعقد من وضع سياسات جديدة. في الأثناء، من المتوقع أيضًا أن تجتذب بيانات اقتصادية صينية وتقارير التضخم في المملكة المتحدة وخطب لمسؤولي البنك المركزي الأوروبي مزيدًا من الاهتمام ضمن أحد أكثر الأسابيع ازدحامًا حتى الآن هذا العام.
على صعيد آخر، توقع رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets أن تظل أسعار الفائدة مستقرة دون تغيير ملموس في الوقت الراهن. وأشار إلى أن هذا الأسبوع يتضمن محطات رئيسية تشمل قرار البنك المركزي الياباني باستمرار التوجه الحالي دون تغيير، ثم قراري الفيدرالي الأميركي والبريطاني يومي الأربعاء والخميس على التوالي.
وأضاف المختص أنه لا توجد مؤشرات واضحة تدل على تغييرات جوهرية قد يتبناها الفيدرالي الأميركي أو بنك إنجلترا قريبًا. لكن البنك الوطني السويسري ربما يكون الاستثناء الوحيد إذا ما أقدم بالفعل على تخفيض الفائدة بربع نقطة أساس.
أما في الولايات المتحدة، فإن البيانات الأخيرة لسوق العمل وتوقعات الأسعار جاءت أقل من المتوقع، مما يزيد من احتمالية اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي قرارًا بخفض أسعار الفائدة خلال الأشهر القادمة. وتشير التوقعات إلى خفض محتمل بواقع 0.25% بحلول سبتمبر، وربما يصل إجمالي التخفيضات إلى 0.50% بنهاية العام.
وأشار الخبير أيضًا إلى أن العوامل الجيوسياسية الحالية مثل ارتفاع أسعار النفط تشكل ضغوطًا مزدوجة على معدلات التضخم والنمو الاقتصادي، مما يزيد من صعوبة وضع السياسات النقدية الملائمة.
في سياق متصل، ذكرت شبكة "سي إن بي سي" الأميركية أن الضغوط السياسية تتزايد على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. ورغم الانتقادات المتكررة الموجهة إليه من جانب ترامب، فإن أغلب التوقعات تشير إلى إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير بعد اجتماعات هذا الأسبوع.
إشارات نحو المستقبل تكشف الاتجاهات الاقتصادية
وفقاً لتصريحات ميشال صليبي، كبير محللي الأسواق المالية في شركة FXPRO لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لن يُقدم على تغيير أسعار الفائدة، وهو أمر بات محسومًا في الأسواق المالية. التركيز الأساسي سينصب على أدوات تحليلية دقيقة، أبرزها "تحديثات توقعات لجنة السوق المفتوحة" المعروفة بـ (Dot Plot)، التي تشير إلى احتمالات عدد مرات خفض الفائدة المقبلة. هذه التوقعات تحمل ثقلاً كبيراً في التأثير على الأسواق حتى قبل صدور الخطاب الرسمي لجيروم باول، حيث تقدم إشارات واضحة حول اتجاه السياسات النقدية للفيدرالي، لا سيما في ما يتعلق بخفض الفائدة المتوقع خلال النصف الثاني من عام 2025 وامتداداً لعام 2026.
إلى جانب التشديد على أهمية متابعة هذه التطورات، يشير صليبي إلى الضغوط الجيوسياسية المتفاقمة في الشرق الأوسط وتأثيرها على الأسواق العالمية، مع استمرار المخاوف الناتجة عن التضخم الاقتصادي داخل الولايات المتحدة. الأوضاع الاقتصادية الحالية تتطلب مراقبة دقيقة للنمو الأميركي لتجنب سيناريو الركود التضخمي. كما يلفت إلى الدور السياسي، مشدداً على تأثير الضغوط التي يمارسها الرئيس السابق دونالد ترامب بهدف دفع الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض الفائدة بواقع نقطة أساس كاملة.
على صعيد آخر، بيانات التضخم الأخيرة أظهرت تباطؤًا غير متوقع، سواء في مؤشر أسعار المستهلكين أو المنتجين، مما عزّز فرص الدخول في دورة جديدة من التيسير النقدي. بناءً على ذلك، فرص خفض الفائدة مرة أو مرتين خلال هذا العام قد تكون محورية في تشكيل مسار الأسواق خلال المرحلة القادمة.
أما بالنسبة لبنك إنجلترا، يتوقع صليبي أن تستمر سياسة تثبيت سعر الفائدة عند 4.25 بالمئة. ومع ذلك، الأنظار ستتجه نحو نبرة خطاب البنك: هل ستظهر إشارات حول خفض محتمل للفائدة خلال أغسطس أو سبتمبر؟ ورغم انخفاض التضخم في المملكة المتحدة، إلا أنه لا يزال يتجاوز الهدف المحدد بنسبة 2 بالمئة، مما يضع الاقتصاد البريطاني أمام تحديات التضخم المرتفع مقابل النمو الاقتصادي المتباطئ، خاصة عند المقارنة بمعدلات التضخم ضمن الدول الأوروبية الأخرى.
في هذا السياق، البيانات الاقتصادية الأخيرة تظهر الحاجة إلى إجراءات لدعم الاقتصاد عبر تخفيف السياسة النقدية. هذه الديناميكية تضع بنك إنجلترا أمام معضلة معقدة: هل يستمر في تشديد السياسة لمحاربة التضخم أو ينتقل نحو تيسيرها لدعم النمو؟ أي اتجاه يميل نحو التيسير النقدي قد يحمل تأثيراً عابراً يتمثل بضعف الجنيه الإسترليني مؤقتًا أمام الدولار واليورو.