تحديثات الأخبار

في زمن تسارع الذكاء الاصطناعي التوليدي ليصبح المحرك الأبرز للابتكار، تتوسع طموحات هذا الكيان الرقمي بلا حدود، متطلبًا كمًّا هائلًا من الموارد لدعم عملياته المتقدمة. يحتاج الذكاء الاصطناعي المزيد من البيانات لتغذية خوارزمياته، والمزيد من الرقائق لتشغيل معالجاته، والطاقة لضمان استدامة عمله دون انقطاع.

ولا تتوقف احتياجاته عند الجوانب التقنية فقط، إذ يمتد العطش إلى المياه لتبريد مراكز البيانات، والعقارات لتوسيع بنيته التحتية، فضلًا عن الدور الحيوي للعقول البشرية لإدارة جوانب لا تزال رهينة لتميز البشر.

أمام هذا الاستخدام المتصاعد للموارد، يبرز تساؤل عن قدرة العالم على مواكبة هذا الطلب المتسارع. كيف يمكن تحقيق توازن بين التطور التقني واستنزاف الموارد، خاصة مع تصاعد المخاوف البيئية والاقتصادية؟ باتت استمرارية صناعة الذكاء الاصطناعي مرتبطة بجوانب عديدة، أبرزها:

**الطاقة: معضلة تواجه الجميع**

ترتكز أنظمة الذكاء الاصطناعي على مراكز بيانات ضخمة مملوءة بالخوادم وأجهزة متطورة، ما يجعلها المستهلك الأكبر للكهرباء في العالم الرقمي. في الولايات المتحدة وحدها، من المتوقع أن تستحوذ تلك المراكز على حوالي 8% من إجمالي استهلاك الطاقة بحلول عام 2030، مقارنة بـ 3% فقط في عام 2022. عالميًا، تشير التقديرات إلى أن استهلاك الطاقة السنوي لمراكز البيانات سيصل إلى 1580 تيراواط/ساعة بحلول عام 2034، أي ما يعادل حجم الاستهلاك الإجمالي للطاقة في الهند حاليًا.

هذا الطلب الهائل على الكهرباء يطرح تحديات كبرى لشركات التكنولوجيا. فمثلًا، استهلكت مراكز بيانات غوغل أكثر من 24 تيراواط ساعة في السنة المالية 2023؛ زيادة بنحو 31% عن عام 2021. الأمر دفع عمالقة التكنولوجيا مثل مايكروسوفت للسعي لتأمين إمدادات طويلة الأجل من الطاقة.

**التبريد المائي: استخدام مكثف للمياه**

الاستهلاك الكبير للطاقة يولد حرارة عالية في مراكز البيانات، مما يستدعي استخدام أنظمة تبريد متطورة تعتمد بشكل أساسي على المياه. تشير دراسات إلى أن هذه المراكز تستهلك يوميًا أكثر من مليار لتر من المياه، كمية تكفي لتلبية احتياجات ملايين البشر. حتى المحادثات البسيطة التي تُجرى عبر أنظمة كـ ChatGPT تستهلك مياهًا بمعدلات مثيرة للدهشة. المشكلة الأكبر تكمن في نوعية المياه المستخدمة؛ إذ تعتمد الشركات على مياه صالحة للشرب لتجنب تأثيرات المياه غير المكررة على المعدات.

**سباق العقارات: معركة المستقبل**

مع وجود أكثر من 7000 مركز بيانات حاليًا حول العالم، تستمر الحاجة إلى مزيد من المواقع الجديدة بدافع الطلب المتزايد على السعة الحاسوبية. هذه المراكز تتطلب مساحات كبيرة تضم ملايين الخوادم وأنظمة التبريد وغيرها من البنى التحتية. وبالتالي، ازداد الطلب على الأراضي في مواقع استراتيجية قريبة من مصادر الطاقة وشبكات الاتصال. النتيجة؟ ارتفاع في أسعار العقارات ومنافسة شرسة بين الشركات الكبرى للاستحواذ على أفضل المواقع.

**الرقائق: القلب النابض**

تمثل وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) العمود الفقري لنماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة، لقدرتها على إجراء آلاف العمليات في وقت واحد. تكلفة الوحدة الواحدة من هذه الرقائق قد تتجاوز 30 ألف دولار، وتشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعي يتطلب أحيانًا مئات أو آلافًا منها.

رغم ريادة Nvidia في تصنيع هذا النوع من الرقائق، فإنها تواجه صعوبة في تلبية الطلب المتزايد عالميًا. وضعت الشركة خططًا إنتاجية طموحة لأجيالها الجديدة مثل Blackwell، لكنها أكدت أن تحقيق التوازن بين العرض والطلب سيستغرق وقتًا.

**العنصر البشري: الحاجة إلى العقول لا تزال قائمة**

رغم الحديث المستمر عن دور الذكاء الاصطناعي في تقليص الوظائف، إلا أن شركات التقنية توظف ملايين الأشخاص حاليًا بين علماء بيانات ومهندسين ومصممي رقائق وغيرهم. ومع تصاعد الطلب على المهارات المتخصصة، ظهرت اختناقات في توفر المواهب المؤهلة، ما دفع مستثمري التقنيات والذكاء الاصطناعي

عطش البيانات  

تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي على كميات هائلة من البيانات عالية الجودة لتطوير قدراتها، تماماً كما يعتمد الإنسان على الغذاء. تعمل هذه النماذج عبر تدريبها على نصوص تُجزأ إلى رموز صغيرة لاستنباط الأنماط التي تمكنها من التنبؤ بالنصوص المستقبلية. ورغم أن بعض النماذج عُدّت على تريليونات الرموز في تدريبها، فإن هذا الكم الكبير من البيانات قد لا يكون كافياً لتحقيق النمو المتوقع للذكاء الاصطناعي بالسرعة المطلوبة.  

التحدي الرئيسي يكمن هنا في ندرة البيانات الجديدة والجيدة الجودة، خاصة تلك التي تعكس لغات المجتمعات غير الغربية أو غير الإنجليزية. هذا النقص يتسبب في تطوير نماذج تحمل تحيزات عرقية أو جندرية قد تؤثر سلباً على سلوكياتها. كمثال، أظهرت الدراسات أن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي تميّز ضد مجموعات عرقية معينة بناءً على الأسماء. وبينما تسعى شركات مثل OpenAI لتقليل أضرار هذه التحيزات، يبقى تنويع وتحسين جودة البيانات معضلة أساسية.  

عملاق متعطش  

وفقاً لهيلدا معلوف، مستشارة الذكاء الاصطناعي المعتمدة من جامعة أوكسفورد، فإن الذكاء الاصطناعي يُعد "عملاقاً جائعاً" يستهلك موارد ضخمة للحفاظ على كفاءته. لكن مع استمرار تطويره، قد يواجه العالم أزمة موارد شاملة إذا لم تُتخذ حلول عملية. السؤال الأبرز الآن هو كيف يمكن تلبية الطلب المتزايد للذكاء الاصطناعي على الموارد دون الإضرار بكوكبنا؟  

الحلول موجودة  

تؤكد معلوف أن الحلول لمعظم مشاكل استهلاك الذكاء الاصطناعي للموارد موجودة بالفعل ويمكن تطبيقها بسهولة. على سبيل المثال، مع توقعات بارتفاع الطلب على الكهرباء بسبب الذكاء الاصطناعي، يمكن اللجوء للمفاعلات النووية الصغيرة التي توفر طاقة كهربائية بكفاءة عالية وتأثير بيئي منخفض نسبياً. كما أن دمج هذه التكنولوجيا مع مصادر الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح يمكن أن يخلق نظاماً مستداماً يدعم تطور الذكاء الاصطناعي دون الإضرار بالكوكب.  

أما في ما يتعلق بالمياه المستهلكة لتبريد مراكز البيانات، تشير معلوف إلى أن الحلول تشمل إعادة تدوير المياه المستخدمة بدلاً من إهدارها، واستخدام المياه غير الصالحة للشرب مثل مياه البحر المعالجة لتخفيف الضغط على موارد المياه العذبة. يمكن أيضاً توزيع مراكز البيانات في مناطق غنية بالمياه لتجنب تفاقم مشكلة الاستنزاف في المناطق الشحيحة.  

فرص وتحديات سوق العمل  

منذ ظهور تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي، كانت المخاوف الأولى تدور حول تهديدها لسوق العمل. ومع مرور الوقت ظهر أن هذا الابتكار يحمل فرص عمل واسعة في مجالات جديدة بدلاً من تهديد الوظائف التقليدية. ومع ذلك، تظهر اليوم مشكلة نقص المهارات المطلوبة لهذه الأدوار المستحدثة، خاصة في مجالات مثل علوم البيانات وهندسة البرمجيات وتصميم الرقائق وخبراء الامتثال القانوني. الحل يكمن في الاستثمار بالتعليم والتدريب عبر إطلاق مبادرات تستهدف تطوير المهارات التقنية المطلوبة وتسهيل الوصول إلى تعليم عالي الجودة في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي.  

إدارة الطلب العقاري  

بالنسبة لتأثير الذكاء الاصطناعي على الطلب العقاري نتيجة الانتشار الكبير لمراكز البيانات، ترى معلوف أن الحل يتطلب مقاربات متعددة تشمل الابتكار الهندسي والاستدامة البيئية والتخطيط العمراني المتطور. التركيز على مراكز بيانات ذكية وكفؤة ربما يقلل من تأثير الطلب العقاري. يمكن أيضاً الاعتماد على الصحارى والمناطق الجبلية لإنشاء تلك المراكز بعيداً عن الأراضي الزراعية أو السكنية، مع التأكد من تهيئتها بالبيئة المناسبة والعمل على استغلال المباني القائمة مثل المصانع المعطلة أو المستودعات لتحويلها إلى مراكز بيانات حديثة. كما تقترح وضع قوانين صارمة تمنع الاستغلال غير المستدام للأراضي الريفية والحساسة.  

الإمكانات الكامنة  

رغم التحديات المحيطة باستهلاك الموارد الطبيعية للذكاء الاصطناعي، تؤمن معلوف بأن هذه التكنولوجيا تحمل إمكانيات هائلة لتغيير حياة البشر للأفضل. فالذكاء الاصطناعي ليس فقط