تحديثات الأخبار

في قلب مدينة بيت لحم، حيث تختلط الروحانية بالتاريخ العريق، ينبض فن الحفر على خشب الزيتون كواحد من أرقى وأجمل الفنون اليدوية التي تُمثل التراث الفلسطيني الأصيل. هذه الحرفة التي توارثتها أجيال من الحرفيين، تحكي قصة الصبر والإتقان والارتباط العميق بالأرض، حيث تتحول قطع خشب الزيتون إلى تُحف فنية تُخلد ذكرى هذه المدينة المقدسة. 

الحرفة... قصة حياة

خشب الزيتون المميز بألوانه الدافئة وتدرجاته الطبيعية، يعتبر المادة الأساسية التي تُشكل في بيت لحم لوحات فنية تروي تاريخاً وحكايات متعددة. تبدأ عملية النحت بمرحلة أولية باستخدام الات تشكيل الهيكل العام للقطعة، والتي تستغرق حوالي 15% من الوقت الكلي. اما الباقي فيقضيه الحرفي في النحت اليدوي الدقيق، حيث تتطلب كل تفصيلة دقة متناهية، ثم يلي ذلك الصقل والتلميع الذي يمنح القطعة رونقها ولمعانه الخاص.

مراحل الإنتاج والصبر الحرفي

تمر القطعة بعدة مراحل قبل أن تصل إلى يد المستهلك، بداية من تقطيع الخشب إلى الشكل الأساسي، مرورًا بمرحلة النحت اليدوي التي تتطلب خبرة كبيرة، ثم الصقل والتشميع الذي يحافظ على جودتها ويبرز جمالها الطبيعي. لا يقتصر الأمر على المهارة الفنية فحسب، بل يحتاج الحرفي إلى سنوات طويلة من التدريب؛ فمعظم النحاتين في بيت لحم يقضون من 6 إلى 7 سنوات حتى يتقنوا هذه الحرفة بدقة متناهية. 

السوق المحلي والدولي

تحظى منتجات الحفر على خشب الزيتون بإقبال كبير من السياح الذين يزورون بيت لحم، خصوصًا القادمين للزيارة الدينية، حيث تُعرض هذه القطع في الأسواق الشعبية القريبة من كنيسة المهد، إضافة إلى المتاجر والمراكز التي تروج للحرف التقليدية. تشكل هذه القطع الهدايا التذكارية التي يحملها الزائرون معهم، وتحمل قيمة ثقافية وروحية كبيرة.

تُباع القطع اليدوية بأسعار متفاوتة تبعًا لحجم وتعقيد العمل، حيث تتراوح بين القطع الصغيرة البسيطة التي تباع بعدة شواكل، إلى القطع الكبيرة والمزخرفة التي قد تصل أسعارها إلى مئات الشواكل. على الرغم من ذلك، يواجه الحرفيون تحديات اقتصادية مثل ارتفاع تكلفة المواد الخام وقلة الدعم الرسمي، مما يهدد استمرار هذه الحرفة العريقة. 

تحديات الحرفة ومستقبلها 

في ظل التطور التكنولوجي والمنتجات الصناعية، تواجه حرفة الحفر على خشب الزيتون تحديات عديدة، منها انخفاض عدد المشتغلين بها، وصعوبة منافسة المنتجات الرخيصة المستوردة. 

وهناك توجهات لتطوير القطاع من خلال إقامة ورش تعليمية للشباب وتشجيع السياحة الحرفية، والتي من شأنها أن تساعد في استمرارية هذه الحرفة وتوفير فرص عمل جديدة في بيت لحم.

في الختام

فن الحفر على خشب الزيتون في بيت لحم ليس مجرد صناعة يدوية، بل هو جزء من الهوية الفلسطينية، يتحدث بلغة الإبداع والصبر والتاريخ. في كل قطعة، تتجسد قصة نضال وصمود وحب للأرض. الحفاظ على هذه الحرفة ودعمها هو واجب جماعي يضمن استمرار هذه الإرث الثقافي الرائع للأجيال القادمة.