رمضان في فلسطين.. روحانيات خاصة وعادات اجتماعية متوارثة
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تستعيد فلسطين روحها الخاصة الممزوجة بالإيمان والبهجة والترابط الاجتماعي، حيث يشكّل هذا الشهر الكريم جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية والدينية للشعب الفلسطيني، وتنعكس مظاهره في تفاصيل الحياة اليومية، من البيوت والأسواق، وحتى المساجد والأحياء الشعبية.
منذ الأيام الأولى لرمضان، تكتسي المدن الفلسطينية حُلّة مختلفة؛ فالأضواء الملوّنة تتدلى من الشرفات، والفوانيس تُزيّن الشوارع والأزقة القديمة، فيما تنطلق دعوات التهاني بين العائلات والجيران، ليبدأ شهر يملؤه الدفء الروحي والتكافل الاجتماعي. ويحرص الفلسطينيون على إحياء عادات متوارثة من الأجداد، تحافظ على روح العائلة وتؤكد على قيم التعاون والتآخي.
وتبقى مائدة الإفطار الفلسطينية واحدة من أبرز المظاهر الرمضانية حضورًا؛ حيث تجتمع العائلة حول أطباق تقليدية اعتاد عليها الناس عبر الأجيال، مثل الشوربة ،مسخن،ورق العنب،والمقلوبة، إضافة إلى الحلويات الشهيرة التي ترتبط بالشهر الفضيل كالقطايف والكنافة. ولا يقتصر الأمر على الأسرة فقط، فمبادرات “موائد الرحمن” وتوزيع الوجبات على المحتاجين تعكس روح التكافل التي تميّز المجتمع الفلسطيني في هذه الأيام المباركة.
أما المساجد فتشهد حضورًا واسعًا في صلاة التراويح والقيام، حيث تمتلئ بالساجدين، كبارًا وصغارًا، في مشهد روحاني يجسد عمق الإيمان وبهاء الأجواء الرمضانية. كما تظل أصوات القرآن الكريم والابتهالات حاضرة في البيوت والشوارع، مانحة الشهر نكهته الخاصة التي لا تشبه غيرها.
وفي المدن التاريخية كمدينة القدس والخليل ونابلس وغزة، يحتفظ رمضان بطابعه التراثي المميّز؛ فتنبض الأسواق الشعبية بالحياة قبيل الإفطار، ويستعيد “المسحراتي” دوره التقليدي في إيقاظ الناس للسحور، في عادة ما زالت راسخة في الذاكرة الشعبية الفلسطينية رغم تغيّر الزمن.
يحمل رمضان في فلسطين بعدًا اجتماعيًا وثقافيًا غنيًا؛ إذ تنشط المبادرات الشبابية والحملات التطوعية لإغاثة الأسر المحتاجة وتقديم الدعم للفقراء والأيتام، كما تنتشر المبادرات المجتمعية لجمع التبرعات وتوزيع الطرود الغذائية، ما يعزز قيم التكافل والتضامن بين أبناء المجتمع. وتعيش المدن الفلسطينية أجواء حيوية خلال أمسيات الشهر المبارك، حيث تُنظم الأمسيات الثقافية والإنشادية، وتحيى الفعاليات التراثية التي تعكس أصالة الشعب الفلسطيني وحبه للحياة رغم ما يواجهه من تحديات. بهذه المظاهر، يظل رمضان في فلسطين مناسبة روحية وإنسانية وثقافية تجسد روح الصمود والأمل.
ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، يبقى رمضان مساحة للطمأنينة والأمل، وفرصة لتعزيز الروابط العائلية والاجتماعية، وتأكيد التمسك بالعادات والتقاليد كجزء من الهوية الوطنية والثقافية.
ومع اقتراب الشهر الفضيل، يستعد الفلسطينيون لاستقبال أيامه المباركة بروح الإيمان والصبر، على أمل أن يحمل معه الخير والسلام، وأن يظل رمضان عنوانًا للروحانية والمحبة في كل بيت فلسطيني