تحديثات الأخبار

في ظل تراجع الثقة بالدور الغربي والأمريكي وازدواجية المعايير تجاه القضايا العربية تستعد العاصمة الروسية موسكو لاحتضان القمة العربية الروسية الأولى في 15 أكتوبر 2025، في توقيت بالغ الحساسية على المستويين الإقليمي والدولي، لا سيما تبعات الحرب الهمجية على غزة التي كشفت وفضحت ازدواجية المعايير الغربية، وكذلك الصراع الروسي الأوكراني الذي أعاد رسم خريطة التحالفات العالمية بشكل واضح للعيان. 

بدى جليا منذ بداية الصراع الروسي الأوكراني أن موسكو تسعى بشكل حثيث للحد من الهيمنة الأمريكية وترسيخ مكانتها كقوة بديلة، عبر نهج براغماتي يقوم على أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وعرض شراكات تقوم على المصالح المتبادلة لا الوصاية .

وفي تحد صريح للولايات المتحدة، أعلن الكريملن أن القمة لن تقتصر على الملفات التقليدية مثل الطاقة وأمن الممرات البحرية، والتكنولوجيا والأمن الغذائي، بل تمتد إلى قضايا إقليمية مركزية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وقضايا عربية أخرى كسوريا واليمن وليبيا والسودان، باعتبارها قضايا محورية للاستقرار والأمن والسلام العالمي.، وذلك يشير بشكل جلي إلى أن القمة ليست مجرد حدث بروتوكولي عابر، بل محاولة روسية لتثبيت وجودها في الشرق الأوسط، كبديل أو شريك منافس للنفوذ الغربي.

أما بالنسبة للدول العربية فتكمن أهميتها الاستراتيجية في بناء أسس متينة للعلاقات والشراكة مع لاعب دولي هام ذو حضارة وتاريخ عريقين ويمتلك أدوات اقتصادية وسياسية وأمنية تحد من مدى الانحياز وازدواجية المعايير الغربية في القضايا العربية المفصلية، علاوة على أن هذه الشراكة تضفي على القرار العربي استقلالية أكبر عن الغرب، ومساحة للمناورة في القضايا الإقليمية الهامة، وتعيد الموازين الدولية المختلة إلى نصابها.

شهدت العلاقات الروسية العربية وتحديدا الخليجية، تطورات لافتة خلال السنوات الأخيرة، تجلت في الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى وتوقيع اتفاقيات استراتيجية بين موسكو وكل من الرياض وأبو ظبي والمنامة وغيرها، وعلى رأسها اتفاقية "أوبك+ "، لضبط أمن وأسعار سوق النفط العالمي بعيدا عن الهيمنة الأمريكية. 

وقد برزت في هذا السياق سابقتان في الدبلوماسية العربية، كانت أولاهما رفض الدول العربية عامة ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة، الانخر ط في العقوبات الغربية ضد روسيا وآثرت لعب دور الوسيط بين موسكو وأوكرانيا، بما يعزز صورة العرب كقوة تفاوضية قادرة على التحرك في فضاءات متعددة.

والثانية، عندما لم تجد السعودية حرجا في رفضها طلب الرئيس الأمريكي السابق "جو بايدن" رفع إنتاجيتها النفطية خلال مؤتمر قمة مجلس التعاون الخليجي في جدة منتصف يوليو 2022، رغم علمها المسبق بأن حضوره المؤتمر جاء لهذا الغرض تحديدا. 

 إن القمة العربية الروسية المرتقبة  ليست مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل فرصة تاريخية ومنعطف مفصلي في مسار التحولات الجيوسياسية العالمية، فإما أن تشكل بداية لمرحلة جديدة من استقلال القرار العربي وتضع العرب في موقع الشريك الفاعل في إعادة تشكيل النظام الدولي وحل القضايا الإقليمية على أسس عادلة، وإما أن تهدر كغيرها من الفرص الضائعة.