اليوم العالمي للمسنين: بين التقدير والتحديات في زمن التحولات المجتمعية
في الأول من أكتوبر من كل عام، يقف العالم على موعد مع مناسبة إنسانية ذات بعد عميق، هي اليوم العالمي للمسنين، الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1990 لتسليط الضوء على حقوق كبار السن وكرامتهم، وإبراز دورهم الحيوي في صياغة مسيرة المجتمعات عبر التاريخ. هذه المناسبة ليست مجرد محطة احتفالية، بل هي فرصة للتفكير الجاد في مكانة كبار السن في زمن تتسارع فيه التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
المسنون… ذاكرة الشعوب وحملة القيم
كبار السن هم مرآة الماضي، وحَمَلة التجارب التي راكمتها الإنسانية عبر أجيال. إنهم رواة التاريخ، ومن خلالهم تنتقل القيم والعادات والمعارف إلى الشباب. فكل مجتمع يضع مكانة راسخة للمسنين، إنما يعزز تماسكه الثقافي والاجتماعي، ويحفظ هويته في مواجهة تحديات العولمة والحداثة المتسارعة.
أرقام ودلالات عالمية
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن عدد كبار السن (فوق 60 عاماً) يتجاوز اليوم مليار نسمة، ومن المتوقع أن يصل إلى ملياري نسمة بحلول عام 2050. هذا النمو السكاني يعكس إنجازاً صحياً وحضارياً، لكنه في الوقت نفسه يطرح تساؤلات جادة حول قدرة الأنظمة الصحية والاجتماعية على مواكبة احتياجات هذه الفئة.
تحديات قائمة رغم التقدير
رغم الاحتفاء الرمزي بالمسنين، ما زالت التحديات تثقل كاهلهم، فالعزلة الاجتماعية التي تتفاقم مع تغير أنماط الحياة وتفكك الروابط الأسرية التقليدية، وكذلك الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والسكري والخرف، التي تتطلب رعاية طويلة الأمد، إضافة إلى التمييز العمري الذي يحدّ من فرص مشاركتهم الفاعلة في سوق العمل والحياة العامة، كما أن ضعف السياسات في بعض الدول التي لا توفر تشريعات كافية تضمن حقوقهم وتكفل كرامتهم.
مبادرات تعزز الحضور الإيجابي
تتجه العديد من الحكومات والمنظمات إلى تنفيذ برامج نوعية لدعم كبار السن، من بينها:
- توسيع نطاق التأمين الصحي والرعاية المجتمعية.
- إقامة مراكز أنشطة اجتماعية وثقافية تقلل من العزلة.
- إطلاق تشريعات تحميهم من الإهمال والعنف الأسري.
- إدماجهم في مشاريع التنمية والاستفادة من خبراتهم في التعليم والإرشاد المجتمعي.
رسالة إنسانية تتجدد
إن اليوم العالمي للمسنين ليس مجرد شعار أو كلمات تقدير، بل دعوة مفتوحة لمجتمعاتنا كي تنظر بجدية إلى أوضاعهم، وتترجم الاحترام إلى سياسات ملموسة وبرامج عملية تضمن لهم حياة كريمة. فالمسنون ليسوا عبئاً، بل ثروة إنسانية وروحية، تكتسب المجتمعات قوتها من عطائهم وتجاربهم.