تجنّب الأخبار بسبب الإرهاق النفسي الإعلامي: ظاهرة عالمية تتسع
في عصر التدفق المستمر للمعلومات، أصبح الخبر حاضرًا في كل تفاصيل حياتنا، من شاشة التلفاز إلى إشعارات الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي. ورغم أن متابعة الأخبار تعدّ جزءًا أساسيًا من المشاركة المجتمعية والسياسية، إلا أن عددًا متزايدًا من الناس باتوا يختارون تجنّب الأخبار عمدًا بسبب ما تخلّفه من إرهاق نفسي، قلق، ومشاعر سلبية متكررة.
حجم الظاهرة عالميًا
وفقًا لتقرير "رويترز للصحافة الرقمية"، فإن أكثر من 40٪ من الناس في العالم اليوم يعترفون بتجنّب الأخبار مقارنة بـ29٪ فقط عام 2017. هذه الأرقام تعكس تحولًا لافتًا في علاقة الجمهور بالإعلام، حيث لم يعد الناس يهربون من الأخبار بدافع اللامبالاة فقط، بل لأسباب تتعلق بالصحة النفسية والحاجة إلى راحة عقلية من الكم الهائل من الأحداث السلبية.
حجم الظاهرة في الوطن العربي
ورغم أن معظم الدراسات تركز على أوروبا وأمريكا، إلا أن الظاهرة موجودة بوضوح في العالم العربي. في دول تشهد أزمات وصراعات مثل فلسطين، لبنان، سوريا، العراق، والسودان، يغدو تدفق الأخبار اليومية عن الحروب والانقسامات والأزمات الاقتصادية مصدرًا متواصلًا للتوتر والإحباط. هذا يدفع الكثير من الشباب إلى تجنّب النشرات الإخبارية بشكل متعمد واللجوء إلى المحتوى الترفيهي أو المنصات السريعة مثل TikTok.
أسباب تجنّب الأخبار
1. الأثر النفسي: الأخبار غالبًا ما تتمحور حول الحروب، الكوارث، الفساد والأزمات، ما يولّد القلق والاكتئاب.
2. الشعور بالعجز: كثير من الناس يشعرون أن معرفة الأخبار لا تغيّر الواقع، مما يولّد حالة من اللامبالاة الدفاعية.
3. الإرهاق المعلوماتي: مع التدفق الهائل للمعلومات، يصبح من الصعب على الأفراد التمييز بين المهم وغير المهم.
4. فقدان الثقة بالإعلام: في العديد من المناطق، بما فيها العالم العربي، ينظر الناس إلى الإعلام التقليدي باعتباره منحازًا أو غير مستقل.
الآثار الاجتماعية والسياسية
رغم أن تقليل التعرض للأخبار قد يمنح الأفراد راحة نفسية مؤقتة، إلا أن لهذه الظاهرة تبعات خطيرة:
ضعف المشاركة السياسية: تجنّب الأخبار يقلل من وعي الأفراد بالقضايا العامة وبالتالي من مشاركتهم في العملية الديمقراطية.
زيادة الاستقطاب الاجتماعي: الابتعاد عن متابعة الأخبار يترك المجال مفتوحًا أمام المعلومات المضللة والشائعات على شبكات التواصل.
فجوة معرفية بين الأجيال: الشباب يميلون أكثر إلى تجنّب الأخبار مقارنة بكبار السن، ما قد يزيد من الفوارق في الوعي المجتمعي.
ما الحل ؟
إصلاح المحتوى الإعلامي: عبر تنويع التغطية لتشمل قصصًا إيجابية أو حلولًا عملية بدلًا من التركيز فقط على الكوارث.
تعزيز الصحافة البطيئة (Slow Journalism): التي تركز على التحليل العميق بدلًا من السباق وراء الأخبار السريعة.
التربية الإعلامية: مساعدة الأفراد على تطوير وعي نقدي يتيح لهم استهلاك الأخبار بوعي دون أن تصبح مصدرًا للتوتر.
استخدام تقنيات رقمية موازنة: مثل تطبيقات التحكم بالوقت على المنصات أو اختيار نشرات إخبارية مختصرة.
تجنّب الأخبار بسبب الإرهاق النفسي الإعلامي لم يعد ظاهرة هامشية، بل أصبح واقعًا عالميًا وعربيًا على حد سواء. وبينما يمنح هذا السلوك بعض الأفراد شعورًا بالراحة، إلا أنه قد يؤدي على المدى البعيد إلى تراجع المشاركة السياسية والاجتماعية وزيادة الانقسامات. الحل لا يكمن في الابتعاد الكلي عن الأخبار، بل في إيجاد توازن صحي بين البقاء على اطلاع وحماية النفس من الإرهاق.