تحديثات الأخبار

هل إسرائيل تائهة؟

هذه ليست مجرد فكرة عابرة، بل تحدّ ملح في الوقت الحاضر

مقال للكاتب الإسرائيلي (الروسي الأصل) : ديفيد ليتفينوف

عبر الموقع الإلكتروني للقناة التاسعة الإسرائيلية

إن موقع إسرائيل على الخارطة الجيوسياسية العالمية يتدهور بسرعة ملحوظة، ولا يتوجب علينا أن نكتفي بالتكيّف مع هذا الوضع القائم، بل علينا أن نبادر ونتخذ خطوات حقيقية لتغييره، وعلى رأسها القيام بإعادة هيكلتنا الداخلية، والانتقال من النموذج المتمركز حول الغرب إلى نموذج جديد ذو توجه عالمي.   

إن السبب الحقيقي وراء تزايد نزع الشرعية عن إسرائيل لا يكمن في ما يسمى بـ "التجويع" أو "فظائع الجيش الإسرائيلي" أو "حق الفلسطينيين بالاستقلال"، فجميعها مجرد ذرائع.

إن جوهر التناقض في إسرائيل يتمثل في الصدام بين تيارين لإيديولوجيتين مختلفتين
أولا: التيار التقدّمي الليبرالي المتطرف في ميوله للنموذج الغربي، والذي يهدف إلى قمع مفهوم الهوية الوطنية اليهودية داخل إسرائيل وتفكيك عناصر التماسك داخل المجتمع من جهة.
ثانيا: التيار القومي الذي يسعى للحفاظ على إسرائيل كدولة قومية يهودية صرفة من جهة أخرى.

لهذا السبب، فإن المحاولات المفرطة لإقناع المجتمعات الغربية بصواب الموقف الإسرائيلي لا معنى لها، فالمسألة ليست سوء فهم أو سذاجة، بل خيار واع، فحين فتحت تلك المجتمعات أبوابها أمام ملايين المهاجرين العرب والمسلمين، إنما حكمت على نفسها بالإعدام.

فالتغلغل الإسلامي في المجتمعات الغربية مزّق نسيج الهوية الجماعية، وأنتج أشكالا اجتماعية مشوّهة، وأدى إلى تغيرات ديموغرافية جذرية على حساب الهوية الأوروبية وأضعف التضامن مع إسرائيل.
وبحسب هذا الطرح، فإن المجتمع الأوروبي محكوم عليه بالزوال، ولا يبقى سوى انتظار أي من تلك الدول ستكون الأولى التي تتحول إلى "خلافة أوروبية".

إن السبب الجوهري للكراهية تجاه إسرائيل، يتمثل في إصرارها على أن تكون دولة يهودية، لا "دولة متعددة القوميات".

علينا أن نرى هذه الاتجاهات بوضوح وأن نتصدى لها. ولتحقيق ذلك، لا بدّ من العودة إلى إرث بن غوريون وجابوتنسكي، والمفكرين الروحيين، فخبرتهم تؤكد أن بناء دولة قابلة للحياة أمر مستحيل دون ارتباط متين بالتاريخ والدين وفكرة تقرير المصير القومي.

وبالنظر إلى المستقبل، يشير الكاتب إلى أن الأحزاب التي تسعى إلى محو الهوية التاريخية والقومية القائمة على التقاليد الدينية، والتي ترغب في تحويل إسرائيل إلى "دولة غربية لجميع المواطنين"، إنما تمثل "حصان طروادة"، فبرنامجها يبث سمًّا بطيء المفعول يقوّض شرعية الأجيال القادمة في الدفاع عن المصالح القومية على هذه الأرض، دون أن يلحظ، ووصفها بالتيارات "عديمة الهوية والانتماء".

ومهما حاولت تلك التيارات إظهار عدوانية خطابها السياسي تجاه العرب، أو تصنّف نفسها على أنها "يمينية" أو "يمينية وسط"، فذلك مجرد موقف ظرفي، كما أن هذه التشكيلات السياسية تفتقر لركيزة فكرية داخلية أو لمبررات صريحة تبرر مطالبتها بهذه الأرض.
ويقول الكاتب: إن الأجيال اليهودية القادمة لن تستوعب من أجل ماذا ولماذا يجب أن تقاتل،
وإن هذه الأحزاب ليست سوى فراغ فكري وأيديولوجي ووصفها بـ "الدواء الوهمي"، ونحن اليوم نرى نتيجة هذا النهج في تفكك أوروبا، والمصير ذاته ينتظرنا إن سرنا في هذا الطريق.

لذلك فإن دولة يكون مواطنيها منفصلين عن التاريخ اليهودي والتقاليد، إنما تمثل تهديدا لا يقل خطورة على المشروع الصهيوني عن التطرّف الديني الحريدي الذي وصفه بـمجتمع الدراويش "الرجعي"، فكلا الطرفين يخرجان عن المبادئ التي أقرّها إعلان الاستقلال، بفرض نموذج غريب على إسرائيل.

ويتابع الكاتب، إن دولة إسرائيل يجب أن تُبنى "كحصن منيع" بناء على الركائز التالية:

1- نظام التعليم:
يجب أن يجمع التعليم في إسرائيل بين السعي نحو التفوق الأكاديمي والتأسيس لمنهاج قومي يهودي موحّد يمنع أية تأويلات ومفاهيم هجينة تُضعف ركائز الانتماء القومي.

2- وحدة الشعب:
يجب إنشاء وزارة خاصة لشؤون الوحدة الوطنية تتولّى صياغة وتنفيذ السياسات الرامية إلى تعزيز التماسك الاجتماعي، تعمل ضمن مجالات التعليم والإعلام والتوعية، لبناء خطاب موحّد ووعي جماعي يضمن الاستقرار الاجتماعي للدولة.

3- عقيدة الأمن القومي:
ينبغي تحديث المدوّنة الأخلاقية للجيش الإسرائيلي لتعكس تراث إسرائيل وقيمها، وتشجع على المبادرة والروح الهجومية.
وأشار الكاتب إلى أنه يتوجب على إسرائيل التخلّي عن مفهوم "إدارة الصراع" الذي انهار في 7 أكتوبر 2023، والعودة إلى بناء قوة عسكرية واسعة ومتنوعة، تجمع بين التفوق التكنولوجي والقدرات المتعددة، مع الاستعداد لأي سيناريو إقليمي محتمل، بما في ذلك التهديدات من مصر وتركيا، ويتطلّب ذلك رفع ميزانية الدفاع بما لا يقل عن 6.5 - 7%  من الناتج المحلي الإجمالي.

4-حدود إسرائيل:
طالب الكاتب بإعادة النظر في حدود إسرائيل الحالية، إذ كشفت أحداث 7 أكتوبر 2023 عن قصورها في تحقيق متطلبات الأمن الاستراتيجي وعمق المناورة العسكرية، لذا يجب اتباع سياسة براغماتية انتهازية مستوحاة من مفهوم" بن غوريون للحدود"، ترمي إلى توسيع المجال الإقليمي بما يتناسب مع متطلبات الأمن القومي.
ويشمل ذلك تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والإبقاء على وادي الأردن تحت السيطرة، وإعادة الانتشار العسكري الفعّال في قطاع غزة.

5- السياسة الخارجية:
يرى الكاتب أنه ينبغي لإسرائيل بناء تحالفات استراتيجية وتكتيكية جديدة وتقليل اعتمادها على الغرب، ولا سيما أوروبا، وخصوصا مع تغيّر موازين القوى العالمية، لأن المخاطر غالبا ما تترافق بفرص جديدة، وذلك يتطلب البحث عنها قبل فوات الأوان، كما يجب تعزيز مكانة إسرائيل كدولة يهودية، وذات سيادة.
كما يجب أن تُبنى أي اتفاقيات سلام مستقبلية مع الجيران على إصلاحات تعليمية وإعلامية ودينية حقيقية، تزيل المواد المحرضة على الكراهية وتُعزّز التسامح، إلى جانب الاعتراف الصريح بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي.

 6- إصلاح النظام القضائي:
طالب الكاتب بضرورة تشكيل لجنة قضائية مشتركة من الائتلاف والمعارضة وصولا إلى توافق مستدام بينهما، وتقليص "الصلاحيات القضائية" وإعادة المحاكم إلى وظيفتها الكلاسيكية، مع إمكانية استخدام الاستفتاء الشعبي لتثبيت الشرعية.

 7- الاقتصاد:
يرى الكاتب أن الاقتصاد الإسرائيلي يجب أن يقوم على التطور التكنولوجي والمبادئ الليبرالية، وتعزيز فرص بناء قطاع خاص قوي، وتفعيل النظام الضريبي بشكل تصاعدي، وتقليص الاعتماد الخارجي في القطاعات الحيوية والتقنيات الدفاعية، وضرورة الحد من الغزو الصيني للأسواق الإسرائيلية.

8- استيعاب الشتات:
طالب الكاتب بضرورة تشجيع الهجرة اليهودية "الكبرى" وجعلها مهمة استراتيجية مساوية في الأهمية للأمن والاقتصاد، وتعزيز أواصل الارتباط بين يهود العالم وإسرائيل، وتهيئة مناخ إيجابي لجذبهم عبر حملات إعلامية وتوعوية فعالة وإقناعهم بالعودة إلى إسرائيل كـ "وطن قومي آمن ومزدهر".

9- القضية الفلسطينية:
يرى الكاتب أنه أمام إسرائيل خياران لمعالجة القضية الفلسطينية خلال الأربعين إلى الخمسين عاما المقبلة:
الأول: تشجيع الهجرة الطوعية عبر منح حوافز مالية تصل إلى نحو 150 مليار دولار لخمسة ملايين فلسطيني.

والثاني: تغيير معتقدات السكان جذريا عبر إصلاح التعليم والإعلام والدين، وتحييد التأثيرات "المتطرفة.
وبحسب الكاتب، فإن السيناريو الثاني يستوجب إبقاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة.  لعدة عقود، لضمان التغير التدريجي لقيم ومعتقدات سكانها.

ويختتم الكاتب: "إن مصير دولة إسرائيل وازدهارها ونجاحها في جميع المجالات يعتمد قبل كل شيء على التربية القوميةً اليهودية، لإحياء روح الشعب التي انطفأت من الداخل، وإيقاظ "العضلات القومية" التي انكمشت منذ ألفي عام".

ترجمة: مؤيد الدبس                                      https://www.9tv.co.il/item/113410